سرقة المساعدات الإنسانية في غزة الاحتلال وأدواته لخلق الفوضى والجوع

مركز الدارسات السياسية والتنموية
مقدمة:
يشهد قطاع غزة أزمة إنسانية حادة نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر 2023، التي رافقها حصار شامل أدى إلى نقص حاد في الوقود والغذاء والإمدادات الطبية. ومع القيود المفروضة على المعابر، وتزايد العقبات أمام دخول المساعدات الإنسانية، بات السكان يواجهون ارتفاعًا هائلًا في الأسعار وشحًا غير مسبوق في السلع الأساسية، مما عمّق من معاناتهم الإنسانية.
وتسلط هذه الورقة الضوء على تفاقم أزمة سرقة المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، والدور الذي يلعبه الاحتلال الإسرائيلي، من خلال استعراض أهدافه ودوافعه، مع التركيز على سيطرته المحكمة على المعابر كوسيلة للضغط وفرض قيود صارمة تُعيق وصول الإمدادات الأساسية إلى المواطنين المتضررين.
التحكم الإسرائيلي بالمعابر كأداة للضغط:
رغم انسحاب الكيان الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة عام 2005، لا يزال القطاع خاضعًا لسيطرته الكاملة على المعابر البرية والبحرية والجوية، مما يجعله بحكم القانون الدولي تحت الاحتلال.
يحيط بغزة ثمانية معابر، ستة منها تصلها بالأراضي المحتلة عام 1948 وتخضع لسيطرة إسرائيلية مباشرة، بينما تربط معبران القطاع بمصر، ومع فرض قيود صارمة على حركة السلع والمساعدات الإنسانية، يتحكم الكيان الإسرائيلي بشكل كامل في تدفق المواد الحيوية، مما يُفاقم الأزمة الإنسانية[1].
ظاهرة العصابات المسلحة:
شهد قطاع غزة تصاعدًا في نشاط العصابات المسلحة منذ مايو الماضي، عقب سيطرة جيش الاحتلال على معبر رفح. تُركّز هذه العصابات عملياتها قرب المعابر الخاضعة لسيطرة الاحتلال، مستغلة الفراغ الأمني الناتج عن الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للبنى الشرطية الفلسطينية التي كانت تؤمن وصول المساعدات. وفق تقارير ميدانية، تنشط هذه المجموعات بتنظيم دقيق لاعتراض المساعدات بمجرد دخولها القطاع، ما يُفاقم من معاناة المواطنين المحاصرين.
آلية سرقة المساعدات الإنسانية في غزة:
سرقة المساعدات الإنسانية في غزة تتم عبر عدة مراحل وآليات مترابطة تُبرز مدى تعقيد المشكلة، وتشمل ما يلي:
1. المراقبة والتتبع:
التنسيق مع الاحتلال:
تحصل بعض العصابات على معلومات دقيقة من الاحتلال الإسرائيلي حول توقيت وصول المساعدات ونوعيتها ومساراتها.
وتوفر الطائرات المُسيّرة التابعة للاحتلال مراقبة مستمرة لحركة الشاحنات دون التدخل لمنع الاعتداء عليها.
رصد الشاحنات:
تتبع قوافل المساعدات بمجرد دخولها من المعابر الحدودية مثل "كرم أبو سالم" أو "رفح"، خاصة في المناطق القريبة من السيطرة الإسرائيلية.
2. نصب الكمائن:
قطع الطرق:
وضع عوائق (مثل الحجارة أو المركبات المُعطلة) على الطرق المؤدية إلى المناطق التي تتجه إليها المساعدات، مما يجبر الشاحنات على التوقف.
المطاردة المسلحة:
مطاردة الشاحنات بعد خروجها من المعبر باستخدام مركبات مزودة بأسلحة نارية، أو استهداف إطارات الشاحنات لإجبارها على التوقف.
3. التهديد أو العنف:
تهديد السائقين:
إجبار السائقين تحت تهديد السلاح على تسليم الشاحنات أو تفريغها في مواقع محددة.
في بعض الحالات، يتم الاعتداء المباشر على السائقين لإرهابهم ومنع أي مقاومة.
الاعتداء المباشر:
في حال رفض السائق الامتثال، قد يُطلق النار عليه أو على الشاحنة لتسهيل السيطرة عليها.
4. التفريغ وإعادة البيع:
تفريغ الحمولة:
يتم نقل البضائع من الشاحنات إلى مخازن أو مواقع تابعة للعصابات في المناطق المحيطة.
بيع المساعدات في السوق السوداء:
يتم طرح المساعدات المسروقة (الغذاء، الدواء، الوقود) بأسعار مرتفعة جدًا مقارنة بالسوق الرسمي، مما يزيد من معاناة المواطنين.
المساعدات الأساسية مثل الدقيق والحليب والأدوية تُباع بأسعار خيالية.
5. استغلال الفوضى الأمنية:
الفراغ الأمني:
غياب الأجهزة الأمنية المكلفة بتأمين المساعدات خلال فترات معينة نتيجة استهدافها الممنهج من قبل الاحتلال يجعل العصابات تعمل بحرية.
التنسيق مع العملاء:
بعض العصابات تعمل بالتنسيق المباشر مع الاحتلال لتنفيذ عمليات السرقة، بهدف تعميق الأزمات الإنسانية وخلق حالة من الفوضى.
تأثير السرقات:
تعميق الأزمات الإنسانية:
زيادة نقص المواد الأساسية، مما يؤدي إلى تفاقم الجوع والمرض بين المواطنين.
إشاعة الفوضى:
خلق حالة من عدم الثقة بين المواطنين والجهات المُشرفة على إيصال المساعدات.
استنزاف الموارد الاقتصادية:
تعزيز السوق السوداء ورفع الأسعار بشكل يعجز المواطنين عن تحمله.
شواهد على الدور الإسرائيلي:
يتجلى الدور الإسرائيلي في سرقة المساعدات في عدة مظاهر: السيطرة المطلقة على المساعدات، استهداف الحماية المحلية، التواطؤ مع العصابات.
وتهدف الممارسات السياسة المدروسة تلك إلى تعميق الأزمات الإنسانية وإضعاف المقاومة المجتمعية الفلسطينية
ويساهم الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر وغير مباشر في هذه الجرائم من خلال توفير بيئة الفوضى الأمنية وإضعاف الأجهزة المحلية المسؤولة عن تأمين المساعدات.
وتعمل العصابات بأسلوب منظم وبتنسيق دقيق، مما يبرز استغلال الاحتلال للحصار كأداة لإحداث أزمات مركبة في القطاع.
تُشير تقارير متعددة إلى دور الاحتلال الإسرائيلي في تسهيل أو التغاضي عن سرقة المساعدات الإنسانية في قطاع غزة.
وفيما يلي بعض الشواهد والأدلة المستمدة من هذه التقارير:
شهادات منظمات إنسانية:
أشارت 29 منظمة دولية غير حكومية إلى أن جيش الاحتلال يشجع على نهب المساعدات الإنسانية عبر مهاجمة قوات الشرطة الفلسطينية التي تحاول تأمين المساعدات، وقالت صحيفة واشنطن بوست إن مذكرة داخلية للأمم المتحدة أكدت أن عصابات سرقة المساعدات في غزة “تستفيد من تساهل إن لم يكن حماية من الجيش”، وأن قائد عصابة أنشأ ما يشبه قاعدة عسكرية بمنطقة سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقوع سرقات في مناطق سيطرته:
تُسلط تحقيقات صحافية الضوء على تصاعد ظاهرة العصابات المسلحة التي تستولي على المساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، دون تدخل من جيش الاحتلال لوقف هذه العمليات، ونشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تقريرا في ١١ أغسطس ٢٠٢٤، ورد فيه أن الصحيفة علمت "بأن الجيش الإسرائيلي يتيح لمسلحين فلسطينيين في قطاع غزة نهب وجباية إتاوة من شاحنات المساعدات التي تدخل إلى القطاع، ويستهدف أفراداً من الشرطة في غزة كلّما حاولوا منع هذه العصابات من السيطرة على الشاحنات".
تسهيل عمل العصابات المسلحة:
أفادت تقارير من منظمات دولية وإغاثية بأن جيش الاحتلال ربما "يغض الطرف وقد يسهل" عمل عصابات مسلحة لسرقة شاحنات المساعدات في مناطق سيطرته في قطاع غزة، مما قد يُعد "جزءًا من سياسة تجويع سكان غزة".
هذه الشواهد والأدلة تشير إلى أن هناك دورًا للاحتلال الإسرائيلي في تسهيل أو عدم منع سرقة المساعدات الإنسانية في غزة، مما يفاقم من معاناة المواطنين في القطاع.
ردود الأفعال:
1. ردود أفعال دولية:
صرّح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، بأن "سرقة المساعدات الإنسانية في غزة أصبحت ممنهجة ويجب أن تتوقف"، مؤكدًا أن الظاهرة تعرقل العمليات الإنسانية وتعرض الطواقم لخطر مباشر.
وأشارت مسؤولة الطوارئ في "أونروا"، لويز واتريدج، إلى أن نهب المساعدات يتم تحت مراقبة الطائرات الإسرائيلية دون تدخل يُذكر لوقف هذه الظاهرة، مما يتسبب في خسائر كبيرة.
2. ردود أفعال فلسطينية:
قال مدير "ملتقى العشائر والإصلاح" في رفح، حسين أبو عيادة، إن "عمليات النهب تحدث في مناطق تخضع للسيطرة الإسرائيلية، مما يُشير إلى توجيه مباشر من الاحتلال لإحداث فوضى أمنية".
وأكد عاكف المصري، المفوض العام لشؤون العشائر الفلسطينية، أن انتشار الظاهرة يرتبط بغياب الأجهزة الأمنية التي استُهدفت من قِبل الاحتلال.
خلاصة:
إن سرقة المساعدات الإنسانية في غزة ليست ظاهرة عشوائية، بل ترتبط بسياق أمني وسياسي يهدف إلى تعميق الأزمات الإنسانية في القطاع.
ويتحمل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية مباشرة وغير مباشرة في تسهيل هذه الجرائم من خلال استهداف البنية الأمنية، وغض الطرف عن العصابات المسلحة.
ويتطلب الأمر تعزيز الدور الفلسطيني في مواجهته وتكاتفًا دوليًا وإقليميًا للحد من هذه الممارسات وضمان إيصال المساعدات للمتضررين.
إن تحقيق التكامل بين الجهود المحلية والدولية سيُسهم في التصدي لهذه الممارسات وضمان وصول المساعدات للمستحقين في غزة.
توصيات:
- تعزيز دور المنظمات الدولية في مراقبة توزيع المساعدات داخل القطاع وتوثيق حوادث النهب بشكل مستمر.
- إطلاق حملة إعلامية تسلط الضوء على سرقة المساعدات الإنسانية في غزة، مع إبراز الأدلة والشهادات الموثقة حول دور الاحتلال في تعزيز الفوضى الأمنية والإنسانية.
- تنظيم المبادرات المجتمعية وتعزيز الجهود المحلية لحماية شاحنات المساعدات وضمان توزيعها العادل.
- تعزيز الوعي المحلي وإطلاق حملات توعية لتحذير المواطنين من التعامل مع الأسواق السوداء التي تُروج للمواد المسروقة، وتشجيع المشاركة المجتمعية في مواجهة هذه الظاهرة.