مركز الدراسات الساسية و التنموية
مركز الدراسات الساسية و التنموية
  • الرئيسية
  • من نحن
    • رؤية المركز و أهدافه
    • الهيئة الاستشارية
    • شركاؤنا
    • باحثو المركز
    • باحثون آخرون
    • كُتاب
    • التواصل معنا
      • عناوين
      • منصات تواصل
  • أنشطة وفعاليات
    • ندوات
    • ورش عمل
    • لقاءات خاصة
    • مؤتمرات
    • دورات تدريبية
    • احتفالات
  • إصدارات
    • أوراق بحثية
    • تقارير
    • كتب
    • سياسية
    • إعلامية
    • تنموية
    • منوعة
    • ...
  • ملفات
    • القدس
    • الأسرى
    • الاستيطان
    • فلسطنيو 48
    • فلسطنيو الشتات
    • اللاجئون
    • المنظمة
    • السلطة
    • البرلمان
    • القضاء
    • الحكومة
    • الحقوق
    • الحريات
    • الشباب
    • المرأة
    • الأطفال
    • ذوي الهمم
    • ...
  • قضايا إقليمية
    • الشرق الأوسط
    • آسيا
    • الخليج العربي
    • شمال أفريقيا
    • أوروبا
    • الولايات المتحدة
    • كندا
    • بنما
    • أميركا اللاتينية
    • أستراليا
  • شؤون منوعة
    • فكر و سياسة
    • قيادات و أحزاب
    • ثقافة
    • اقتصاد
    • رياضة
    • علوم
    • تعليم
    • قانون
    • تاريخ
    • فن
    • أدب
    • إعلام
  • أرشيف
    • وثائق pdf
    • صور
    • فيديو
    • بودكاست
    • استطلاعات رأي
    • ترجمات خاصة
    • موسوعة المركز
      • شخصيات
      • أحداث
      • أماكن
    • مكتبة هاشم ساني
      • القسم السياسي
      • شؤون فلسطينية
      • القسم الثقافي
      • شؤون إسرائيلية
      • شؤون إسلامية
      • اللغة و المعرفة
      • العلوم
      • الإعلام
      • الأدب
      • ...

الكيان الإسرائيلي يُعيد هندسة القمع ضد فلسطينيي الـ 48 بعد طوفان الأقصى

  • CPDS - غزة
  • الاثنين , 12 مايو 2025
  • ندوات
الكيان الإسرائيلي يُعيد هندسة القمع ضد فلسطينيي الـ 48 بعد طوفان الأقصى

مركز الدراسات السياسية والتنموية

مدخل وسياق عام

يُشكّل فلسطينيو الـ 48، البالغ عددهم نحو 1.9 مليون نسمة، ما يقارب 17% من السكان في الكيان الإسرائيلي، وعلى مدار العقود، ظلّت هذه المجموعة تمثّل مكوّنًا حيويًا في النضال الوطني الفلسطيني، رغم تهميشها المتعمّد ضمن ترتيبات ما بعد النكبة، ورغم محاولات "الأسرلة" والاحتواء داخل البنية القانونية والسياسية الإسرائيلية، فقد رسّخ فلسطينيو الـ 48 موقعهم عبر محطات مفصلية مثل يوم الأرض (1976)، وهبة القدس والأقصى (2000)، وهبة الكرامة (2021)، مقدمين نموذجًا للنضال السياسي السلمي الذي يجمع بين المطالبة بالحقوق القومية والمدنية، والانتماء لمشروع التحرر الفلسطيني الأوسع.

لكن الحرب الإسرائيلية على غزة في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر 2023)، مثّلت نقطة تحوّل خطيرة، فبدل أن تكون هذه المجموعة محمية بموجب مواطنتها القانونية، وحقوقها المدنية، واجهت حملة غير مسبوقة من التحريض والتضييق والملاحقة، تجاوزت في شدتها أحداث الانتفاضات السابقة، وأعادت إلى الأذهان مناخات الحكم العسكري (1948–1966) وتحوّل الكيان الإسرائيلي، رسميًّا وشعبيًّا، إلى دولة تُعامل جزءًا من مواطنيها باعتبارهم "طابورًا خامسًا"، وأعادت تفعيل أدوات القمع القديمة تحت غطاء قوانين "مكافحة الإرهاب" والطوارئ.

في هذا السياق، تبرز أسئلة جوهرية:

ما هي أدوات وآليات التضييق التي وظّفتها حكومة الاحتلال ضد فلسطينيي الـ 48 بعد "طوفان الأقصى"؟ وما طبيعة التحول في تعاطي الدولة والمجتمع اليهودي مع هذه الشريحة من المواطنين؟ وهل نشهد ميلًا ممنهجًا لتقويض وجودهم السياسي والاجتماعي داخل حدود ما يُسمّى "الديمقراطية الإسرائيلية"؟

تحاول هذه الورقة تحليل هذا التحوّل من خلال استعراض السياق السياسي، وأنماط التحريض والملاحقة، وآليات كمّ الأفواه، وتأثير العنف الداخلي، مع تفكيك ردود الفعل السياسية والمجتمعية، وصولًا إلى قراءة استراتيجية للمآلات المحتملة.

 

 

التحريض الإعلامي والتأطير الأمني

مع اندلاع معركة "طوفان الأقصى"، شَهِدَ الخطاب الرسمي والإعلامي في الكيان الإسرائيلي تصعيدًا غير مسبوق في التحريض ضد فلسطينيي الـ 48، اتسم هذه المرة بنَفَسٍ وجوديّ واضح، فقد صرّح وزير المالية وزعيم "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش بتاريخ 2 يوليو 2024، بأن "عرب الداخل يشكّلون تهديدًا وجوديًا على الدولة"، مدّعيًا أنهم "يُخزّنون أسلحة وذخائر حصلوا عليها من قواعد الجيش الإسرائيلي"، بل ذهب إلى حدّ القول إنهم "جزء من خطة الاحتلال الإيراني"، وهذه التصريحات لم تكن شاذة أو معزولة، بل تكرّرت من أكثر من وزير ونائب في الحكومة، في مشهد يعكس اصطفافًا سياسيًّا متماسكًا خلف خطاب الكراهية.

تحقيق خاص بثّته القناة 13 الإسرائيلية كشف بالأدلة الصوتية والبصرية كيف وجّه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير مقربيه إلى "تصعيد الاستفزاز" و"تفجير الوضع" مع المواطنين العرب، وخصّ بالذكر المسجد الأقصى كـ"نقطة اشتعال"، في إشارة إلى رغبته في افتعال أزمة تؤسس لما وصفه لاحقًا بـ"عملية حارس الأسوار 2"، ووفق ما ورد في التقرير، فإن أجهزة الشرطة وحرس الحدود كانت تُحضّر فعليًا لاحتمال اندلاع موجة عنف بين اليهود والعرب في الداخل، على غرار ما حدث في أيار/مايو 2021.

لم يكن هذا التحريض مجرّد لغوٍ سياسي، بل تحوّل إلى سياسة فعلية على الأرض، تمثّلت في توزيع السلاح على "المدنيين اليهود" في المدن المختلطة (مثل اللد والرملة وعكا ويافا)، وتشكيل "ميليشيات أهلية" تحت مسمى "حرس مدني"، كما تم التغاضي عن اعتداءات المستوطنين ضد المواطنين العرب، خاصة في النقب، حيث كثّفت سلطات الاحتلال عمليات هدم المنازل وتضييق الخناق الأمني بذريعة "الخطر الديموغرافي" و"دعم الإرهاب".

إن التأطير الأمني الجديد لفلسطينيي الـ 48 أعاد إنتاجهم كـ "عدو داخلي"، ما يذكّر بإستراتيجيات الكيان خلال فترات الطوارئ التاريخية، حين يجري استخدام خطاب الأمن لتبرير انتهاك الحقوق الأساسية ومحو الفروقات بين التعبير السياسي المشروع والعمل المسلح، فباتت الهوية الفلسطينية بحد ذاتها مؤشّر خطر أمني في النظرية الأمنية الصهيونية المعاصرة، وهو ما يُبرّر – بنظرهم – القبضة الحديدية والسياسات الاستباقية.

أدوات القمع وتقييد الحريات

مع انطلاق الحرب على غزة في أكتوبر 2023، فعّلت حكومة الاحتلال حزمة من الإجراءات السلطوية التي استهدفت فلسطينيي الـ 48 بشكل مباشر، متجاوزة المفاهيم القانونية التقليدية للمواطنة وحرية التعبير، وما جرى لم يكن مجرد تضييق ظرفي، بل تحوّل إلى منظومة قمعية شاملة ذات طابع مؤسسي، وقائي واستباقي، تعيد إنتاج تجربة الحكم العسكري بصيغة حديثة.

● الاعتقالات التعسفية والتحقيقات الوقائية:

بحسب مركز "عدالة" الحقوقي، تم توثيق 251 حالة اعتقال وتحقيق وملاحقة أمنية خلال الشهر الأول من الحرب (من 7 أكتوبر إلى 13 نوفمبر 2023)، وهذه الاعتقالات لم تستند إلى أفعال جرمية ملموسة، بل إلى منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، كان بعضها عبارة عن آيات قرآنية أو أدعية دينية، فسرتها أجهزة الأمن على أنها "دعم للمقاومة" أو "تحريض على الإرهاب"، وهذا التوسع في تفسير النصوص والرموز الدينية يعكس منطقًا أمنيًا شاملاً يرى في كل تعبير فلسطيني بذرة تهديد.

● استهداف الطلبة والجامعات:

تعرّض الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية لحملة غير مسبوقة من الرقابة والملاحقة، وتم استدعاء أكثر من 160 طالبًا للجان الطاعة، واعتقال عشرة طلاب جامعيين حتى منتصف نوفمبر، بسبب منشورات تتعلق بوقف الحرب أو التعبير عن التضامن مع غزة، والأخطر أن إدارات جامعات وأكاديميين إسرائيليين شاركوا في هذه الحملة، عبر تقديم "شهادات خبراء" ضد الطلبة، كما في حالة استدعاء مستشرق لتفسير آية قرآنية كدليل على دعم حماس.

● تشريعات استثنائية لتقييد الحريات:

في خطوة خطيرة، عدّلت النيابة العامة الإسرائيلية تعليماتها بحيث لم يعد من الضروري الحصول على موافقة النائب العام لاعتقال أشخاص بتهم التحريض، كما كان معمولًا به سابقًا، كما فُعّلت أنظمة الطوارئ التي تتيح تمديد الاحتجاز لفترات طويلة، ومنع لقاء المحامي لمدة تصل إلى 90 يومًا. بالتوازي، أقر الكنيست بالقراءة الأولى تعديلًا على "قانون مكافحة الإرهاب" لتجريم حتى "استهلاك مضامين إرهابية"، ما يعني أن مجرد مشاهدة أو مشاركة محتوى إلكتروني قد يُعد جريمة جنائية.

● منع التظاهر واستهداف التمثيل السياسي:

اتخذت السلطات الإسرائيلية إجراءات تعسفية لمنع أي حراك سياسي منظم، ومُنعت وقفات احتجاجية حتى تلك التي لا تتطلب ترخيصًا قانونيًا، وتم اعتقال شخصيات قيادية مثل رئيس لجنة المتابعة وعدد من النواب السابقين في حزب التجمع، كما عوقبت النائبتان عايدة توما وإيمان خطيب بقرار من لجنة سلوكيات الكنيست، حيث تم حرمانهما من راتبهما لمدة أسبوعين بسبب تصريحات لا تتماهى كليًا مع الرواية الإسرائيلية الرسمية حول الحرب.

ما يجعل هذه الحملة مختلفة وخطيرة ليس فقط حجم القمع، بل طبيعته الوقائية – الاستباقية، حيث لم يعد مطلوبًا القيام بفعل احتجاجي حتى يُعاقب الفلسطيني، بل يكفي الانفعال العاطفي، أو الرمزية الدينية، أو حتى الصمت المشكوك فيه، ليكون دليلًا على عدم "الولاء"، وفق منطق أمني يرى في كل فلسطيني تهديدًا محتملًا.

الجريمة المنظمة: سياسة تفكيك ممنهجة بعد "طوفان الأقصى"

منذ السابع من أكتوبر 2023، لم تقتصر سياسة الدولة الإسرائيلية تجاه فلسطينيي الـ 48 على القمع الأمني المباشر، بل توازت مع تغذية متعمّدة لواقع الجريمة المنظمة في الداخل، في محاولة مدروسة لإضعاف التماسك المجتمعي، وتحويل الانشغال السياسي إلى صراع يومي من أجل البقاء، فبينما كانت الحرب على غزة تدور بكل عنفها، شهد الداخل تصاعدًا مطّردًا في عدد جرائم القتل، دون أن تُظهر المؤسسة الأمنية أي رغبة جدية في التدخل أو الردع.

بحسب الإحصاءات، سُجلت 244 جريمة قتل في صفوف فلسطينيي الـ 48 خلال عام 2023 وحده، في أعلى رقم منذ عقدين، وهذا التصاعد الخطير تزامن مع تفعيل سياسات الطوارئ وقمع الاحتجاجات، ما يعكس بوضوح أن تفشي الجريمة ليس فقط نتاج فشل مؤسساتي، بل سياسة ترك مقصودة، تستهدف إنهاك المجتمع وتحييده عن أي انخراط جماعي في الشأن الوطني.

● التواطؤ الصامت: الدولة كمتفرج - أو شريك

أظهرت شهادات من قيادات محلية ومصادر إعلامية موثوقة أن الشرطة الإسرائيلية تتدخل فقط بعد وقوع الجريمة، وغالبًا لا تفتح تحقيقًا جديًا، كما أُثبت مرارًا أن الأسلحة المستخدمة في الجرائم تأتي في كثير من الأحيان من مخازن الجيش الإسرائيلي أو عبر وسطاء على صلة بأجهزة أمنية، ومنذ أكتوبر 2023، اختفى أي خطاب حكومي يتعامل مع الجريمة كأولوية، رغم أن المواطنين العرب يشكّلون أكثر من 60% من ضحايا جرائم القتل في الكيان الإسرائيلي، رغم نسبتهم السكانية المحدودة.

في هذا السياق، أشار تقرير خاص أعده مركز مدى الكرمل (2024) إلى أن الدولة "توظّف الجريمة كآلية ضبط اجتماعي ناعمة، تستنزف طاقات الفلسطينيين في الداخل، وتحوّل الخوف من القتل إلى أداة ردع غير رسمية عن أي فعل احتجاجي أو سياسي".

● من الفوضى إلى تعطيل الحياة العامة

لم يقتصر أثر الجريمة على الشعور بالأمان، بل امتد إلى شلّ الحياة العامة، وتعطيل المبادرات الشعبية، وضرب العمل البلدي، وخلق حالة من الريبة المجتمعية والانكفاء الفردي، وقد وثقت جهات حقوقية تعطيل حملات شعبية كانت تُحضَّر بعد الحرب تضامنًا مع غزة، بعد اغتيال ناشطين اجتماعيين داخل بلداتهم في جرائم لا تحمل طابعًا شخصيًّا بل شبهات اغتيال سياسي مموَّه.

أمام هذا المشهد، يبدو أن استراتيجية الكيان الإسرائيلي تقوم على تفتيت الوعي الفلسطيني لا بالقمع العلني فقط، بل أيضًا بإغراق الفلسطيني في دوامة من العنف الداخلي تفقده الثقة بأي مشروع جماعي، وتمنعه من العودة إلى المشهد السياسي، حتى بعد انحسار العمليات العسكرية في غزة.

الآثار السياسية والانعكاسات المجتمعية: المواطنة المشروطة وحدود السلوك السياسي

أفرزت مرحلة ما بعد "طوفان الأقصى" تحوّلًا جذريًا في موقع فلسطينيي الـ 48 داخل المشهد السياسي الإسرائيلي، حيث اتضح أن المواطنة ليست حقًا مضمونًا بل امتيازًا مشروطًا بالولاء التام للمشروع الصهيوني، وأي خروج عن هذا الولاء، سواء عبر التعبير عن الهوية الفلسطينية أو مجرد التعاطف الإنساني مع غزة، قوبل بإجراءات ردعية تتراوح بين التجريم والعزل والإقصاء المؤسسي.

لقد رسمت المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، خلال هذه المرحلة، حدودًا جديدة للسلوك المسموح به للفلسطيني "المواطن"، لا تستند إلى القانون أو الحريات الديمقراطية، بل إلى معايير أيديولوجية يحددها الإجماع القومي اليهودي.

● أولًا: تحجيم الدور السياسي الوطني

شهدت الأشهر التي أعقبت 7 أكتوبر 2023 انكماشًا كبيرًا في الفعل السياسي الجماعي لفلسطينيي الـ 48، ففي الوقت الذي خرج فيه العالم بمظاهرات صاخبة ضد الحرب، خيّم الصمت على الداخل الفلسطيني، بفعل سياسات الترهيب والملاحقة والمراقبة الرقمية، التي جعلت كل نشاط سياسي – مهما كان رمزيًا – مهددًا بالتجريم.

وقد أشار المحلل السياسي أمير مخول إلى أن الفلسطينيين في الداخل "لم يعيشوا حالة قمع بهذا الحجم منذ انتهاء الحكم العسكري"، وأن "الردع شمل حتى المشاركة في جنازات الشهداء أو نشر تغريدة تضامن".

● ثانيًا: تعميق الفصل بين ساحات النضال الفلسطيني

كرّس الكيان الإسرائيلي سياسة العزل بين مكوّنات الشعب الفلسطيني، فجاءت الاستجابة القمعية لأي تعبير تضامني من فلسطينيي الـ 48 لتؤكد على رغبة الدولة في فصلهم عن الضفة وغزة والقدس، ليس فقط جغرافيًا، بل وجدانيًا وسياسيًا، فالفلسطيني "الجيد"، وفقًا لهذا المنطق، هو من ينشغل بقضايا المعيشة المحلية، ويبتعد عن قضايا التحرر والهوية الوطنية.

● ثالثًا: تعزيز مشاريع الأسرلة وتآكل الهوية الوطنية

استغلت الدولة هذا المناخ لتكثيف مشاريع "الأسرلة" الثقافية والتعليمية والإعلامية، وخاصة في أوساط الشباب، حيث تُقدَّم "الإسرائيلية" كطريق آمن للحياة، مقابل شيطنة الهوية الفلسطينية باعتبارها تهديدًا وجوديًا، وقد أظهر استطلاع أجرته "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" أن أكثر من 65% من فلسطينيي الـ 48 لا يثقون بقدرة الأحزاب العربية على تمثيلهم، ما يعكس تفكك الثقة العامة بالنخب السياسية، وتراجع الإيمان بجدوى العمل السياسي الجمعي.

 

● رابعًا: تجريم التيارات الوطنية وتصنيفها كخطر أمني

أصبح الانتماء للتيارات الوطنية أو "الرافضة للاندماج في البنية الصهيونية" معادلاً للتطرّف في الخطاب الرسمي الإسرائيلي، فقد تم تجريم حزب التجمع الوطني سابقًا، واستهداف نوابه، ووصفهم بـ"المحرضين" و"المتعاطفين مع الإرهاب،" أما مؤسسات المجتمع المدني ذات التوجه الوطني، فباتت تعمل تحت رقابة مشددة، وتتعرض للتهديد بسحب الترخيص أو قطع التمويل.

خلاصة هذا التحوّل:

ما بعد "طوفان الأقصى" ليس مجرد مرحلة أمنية عابرة، بل إعادة تعريف جذرية للمواطنة الفلسطينية داخل الكيان الإسرائيلي، بات واضحًا أن السلوك السياسي المقبول للفلسطيني لم يعد يُقاس بالاحتكام إلى القانون أو المبادئ الديمقراطية، بل بمدى انصياعه لإملاءات الهوية القومية اليهودية، وبهذا، تتحوّل المواطنة إلى عقد إذعان سياسي، وتُحوّل الهوية إلى ملف أمني، في سياق أوسع من هندسة الوعي والسيطرة على السلوك الجمعي.

تحليل ختامي: مأزق القيادة وتآكل المشروع الوطني لفلسطينيي الـ 48

تجد الحركة الوطنية لفلسطينيي الـ 48 نفسها اليوم في أعمق أزمة استراتيجية منذ عقود، ولم تعد الأزمة محصورة في تراجع الأداء الحزبي أو الانقسامات الداخلية، بل تطورت إلى ما يشبه مأزقًا بنيويًا ثلاثي الأبعاد، يقوّض دور هذه الشريحة كفاعل وطني في المشروع الفلسطيني الشامل:

  1. تصعيد القمع وتسييس المنظومة القانونية

منذ أكتوبر 2023، تصاعدت أدوات الردع الممنهجة ضد فلسطينيي الداخل، مع تطويع القوانين لإسكات الصوت السياسي الفلسطيني، ولم تعد هذه الممارسات مجرد إجراءات أمنية مؤقتة، بل أصبحت مكونًا بنيويًا في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، كما يُظهر تفعيل أنظمة الطوارئ، وتمرير تعديلات قانون "مكافحة الإرهاب"، وتوسيع صلاحيات الشرطة في الاعتقال دون إذن قضائي.

أمام هذا الواقع، أُفرغت المواطنة من مضمونها الديمقراطي، وبات الفلسطيني في الداخل خاضعًا لمنطق "العدو المحتمل"، يُراقَب ويُحاسَب على نواياه، لا أفعاله فقط.

  1. ضعف البنية الحزبية وفقدان الثقة الشعبية

تعاني الأحزاب العربية من تشرذم سياسي وانقسامات أيديولوجية، زادها تفكك القائمة المشتركة حدة، وأسهم في تشتيت الصوت الفلسطيني، وحرف النقاشات السياسية إلى قضايا شكلية. استطلاع أجرته "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان" أشار إلى أن 65% من فلسطينيي الـ 48 لا يثقون بقدرة الأحزاب على تمثيلهم أو الدفاع عن قضاياهم، ما يدل على فجوة متنامية بين الشارع والقيادة.

وتُعزّز هذه القطيعة أيضًا الردود الخجولة للأحزاب على الحرب على غزة، ومحاولات بعضها مراوغة الموقف السياسي خشية فقدان الشرعية أمام المؤسسة الإسرائيلية، حتى في أكثر اللحظات الإنسانية قسوة.

3. "الرفاه الاقتصادي" كآلية تعايش قسري وتفريغ سياسي

أفرزت سياسات الحكومة الإسرائيلية خلال العقد الأخير نموذجًا من "الاستيعاب الاقتصادي المشروط"، حيث تُقايَض الحقوق السياسية بالحد الأدنى من الرفاه المعيشي، عبر أدوات مثل التوظيف، التعليم، الإعانات الاجتماعية، سعت الدولة إلى تفكيك الوعي الجمعي وربطه بمنظومة الاندماج.

لكن هذا التعايش المفروض هشّ بطبيعته، وسرعان ما ينهار في لحظات التوتر، كما ظهر بعد 7 أكتوبر، حين انقلبت "الرفاه" إلى أداة تهديد: الطرد من العمل، أو التحقيق بسبب منشور، أو حتى الملاحقة الأكاديمية، وهذا ما دفع أحد الناشطين الحقوقيين إلى القول: "الاستقرار المعيشي الذي يُقدَّم للعرب في الداخل ليس امتيازًا، بل طُعم في فخ سياسي".

انقسام بين شارع مُحبط وقيادة متآكلة

بات الفلسطيني في الداخل ممزقًا بين واقع يومي ضاغط ومعقد، وقيادة سياسية عاجزة عن تمثيل طموحاته الوطنية، في ظل منظومة قانونية تمارس القمع الممنهج، ومجتمع يرزح تحت عنف منظم، ويواجه إحساسًا متزايدًا بالغربة السياسية.

هذا الوضع لا يهدد فقط الحضور السياسي لفلسطينيي الـ 48، بل يقوّض دورهم كجسر بين المشروع الوطني الفلسطيني والمجال السياسي الإسرائيلي، فبين مطرقة "الأسرلة" وسندان "التخوين"، تغيب الاستراتيجية الواضحة، ويُترك الشارع في حالة انتظار مرير لبديل سياسي قادر على استعادة المبادرة وبناء خطاب وطني جامع.

الخلاصة: نحو هندسة الإخضاع السياسي لفلسطينيي الـ 48

تكشف هذه الورقة أن المرحلة التي أعقبت عملية "طوفان الأقصى" مثّلت نقطة انعطاف حاسمة في تعاطي المؤسسة الإسرائيلية مع فلسطينيي الـ 48، فالمواطنة التي طالما وُصفت بأنها "إسرائيلية الشكل، فلسطينية الجوهر"، أصبحت بعد أكتوبر 2023 مواطنة مشروطة، أمنية الطابع، فاقدة للحماية القانونية والسياسية، وتحوّل الداخل الفلسطيني إلى حقل تجريب متقدّم في إعادة تعريف العلاقة بين الدولة وأقلية وطنية تعتبرها السلطة "تهديدًا وجوديًا"، لا مكوّنًا ديمقراطيًا.

أظهر التحليل أن أدوات التعامل مع فلسطينيي الداخل لم تقتصر على القمع البوليسي المباشر، بل امتدّت لتشمل:

  • خطاب تحريضي ممنهج قادته قيادات سياسية عليا، وسعى إلى شيطنة الهوية الفلسطينية وربطها بالإرهاب.
  • إعادة تفعيل آليات الطوارئ والقانون الاستثنائي لقمع حرية التعبير والملاحقة على النوايا والانفعالات.
  • توظيف الجريمة والعنف كأداة لتفكيك المجتمع وتحييده عن أي فعل سياسي جماعي.
  • عزلهم عن ساحات النضال الفلسطيني الأخرى، وتعزيز مشاريع الأسرلة مقابل تراجع مقصود للفلسطنة.

كما رصدت الورقة حالة من الارتباك والشلل في بنية القيادة السياسية لفلسطينيي الـ 48، التي وُضعت بين مطرقة التضييق وسندان فقدان المصداقية الجماهيرية، في ظل تآكل الثقة الشعبية، وانهيار أدوات الفعل السياسي التقليدي، وقد عمّقت سياسات الاستيعاب الاقتصادي هذه الأزمة، حين تحوّل الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي إلى أداة ابتزاز سياسي وأمني، مقابل الصمت والامتثال.

إن ما نشهده ليس مجرد أزمة ظرفية مرتبطة بالحرب على غزة، بل بداية هندسة جديدة لمعادلة الإخضاع السياسي لفلسطينيي الداخل، تقوم على نزع الشرعية الوطنية عنهم، وفرض سقف منخفض للغاية للفعل السياسي، يضمن اندماجهم تحت هوية الدولة اليهودية، أو عزلهم بالكامل.

ولذلك، فإن المعضلة اليوم لم تعد فقط فيما يفعله الكيان الإسرائيلي، بل فيما لم تستطع الحركة الوطنية في الداخل أن تفعله: من بناء خطاب جماعي جامع، وإعادة الاعتبار إلى الهوية الوطنية، وتقديم مشروع سياسي بديل يتجاوز الانقسامات والانحناءات أمام منطق البقاء الفردي.

في هذا السياق، تبدو الحاجة ملحّة إلى إعادة بناء المسار السياسي لفلسطينيي الـ 48 على قاعدة التحرّر من المعادلات المفروضة، واستعادة زمام المبادرة عبر مشروع وطني يعيد الوصل مع قضايا الشعب الفلسطيني كافة، ويُخرج الداخل من حالة المراوحة، والخوف، والانتظار الطويل.

توصيات المركز

  1. تبني خطاب وحدوي يراعي تعقيدات الداخل، وتجنّب إطلاق الأحكام الجزافية على فلسطينيي الـ 48 بسبب تراجع الحراك بعد الحرب، والتأكيد على أن القمع والتضييق لا يلغي الانتماء الوطني، بل يعكس كلفة الصمود في بيئة استعمارية.
  2. دعم خطاب يُقدّر الخصوصية المركبة لفلسطينيي الداخل، ويعزز مشاعر التلاحم بدل الإحباط المتبادل.
  3. فتح قنوات التواصل الشعبي والمجتمعي، وتعزيز التواصل بين النخب الشبابية، الثقافية، والحقوقية في غزة والداخل، من خلال ندوات إلكترونية، لقاءات مغلقة، ومبادرات تبادل معرفي وإعلامي.
  4. تقديم محتوى إعلامي تضامني موجّه من غزة إلى الداخل، يسلّط الضوء على صمود فلسطينيي الـ 48، وينقل نضالهم اليومي ضد القمع، بما يُعزّز الرواية الوطنية في وجه التحريض الإسرائيلي.
  5. دعوة القوى السياسية في غزة إلى صياغة رؤية استراتيجية جامعة تتضمن فلسطينيي الـ 48 كفاعل مركزي في النضال الوطني، وليس كـ"احتياطي ظرفي"، وتفادي التعامل معهم كجبهة تعبئة فقط عند التصعيد.
  6. الدفع نحو إعادة تعريف "الوحدة الوطنية" لا بوصفها فقط اتفاق فصائل، بل تكامل في الأدوار بين كل مكوّنات الشعب الفلسطيني، بما فيها غزة والداخل والضفة والشتات.
  7. إعادة بناء الجسم التمثيلي الوطني لفلسطينيي الـ 48 على أسس ديمقراطية وتشاركية، من خلال عقد مؤتمر وطني موسّع يضم القوى السياسية، المجالس المحلية، الحركات الطلابية، وممثلي المجتمع المدني، بهدف صياغة "ميثاق سياسي جامع" يُعيد الاعتبار للدور الوطني لهذه الشريحة.
  8. إعادة إحياء لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وتطوير بنيتها التنظيمية، بما يجعلها جهة تنفيذية فاعلة لا مجرد منصة رمزية، مع منحها أدوات حقيقية في التنسيق، التعبئة، والتأثير السياسي.
  9. إنشاء وحدة رصد وطني مستقل تُعنى بمتابعة التشريعات والإجراءات الإسرائيلية التي تستهدف فلسطينيي الـ 48، وتقدّم تقارير دورية للمجتمع المحلي والدولي.
  10. إطلاق مرصد رقابي مجتمعي لتوثيق الانتهاكات بحق الطلاب، الموظفين، والناشطين، يتولى التوثيق القانوني وتقديم الدعم القانوني والإعلامي الفوري للمستهدفين.
  11. التوجه إلى الهيئات الدولية (مثل مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة) لتسليط الضوء على تراجع حالة الحريات في الداخل الفلسطيني، وطلب تدخل أممي لرصد سياسات كمّ الأفواه والتحريض.
  12. إطلاق حملات توعية مجتمعية واسعة لشرح خطورة مشاريع "الأسرلة الناعمة" وتحويل الرفاه الاقتصادي إلى أداة إخضاع سياسي، عبر الإعلام المحلي، والمراكز الشبابية، والمدارس.
  13. إنشاء تحالف إعلامي عربي مستقل داخل أراضي الـ 48، يُنتج محتوى نوعيًا يواجه التحريض، ويُبرز الرواية الفلسطينية بوسائل حديثة تستهدف الأجيال الجديدة.
  14. تعزيز العمل المجتمعي الوقائي لمحاربة الجريمة من خلال إقامة لجان أهلية للأمان المجتمعي، بالتوازي مع الضغط على الشرطة لتحمّل مسؤوليتها الكاملة، وربط هذا الملف بالقضية السياسية الكبرى.
  15. تعميق الارتباط السياسي والوجداني بين الداخل وباقي مكونات الشعب الفلسطيني عبر برامج تنسيقية مع الضفة، غزة، والشتات، تشمل التبادل الشبابي، حملات مشتركة، وفعاليات ثقافية وطنية موحدة.
  16. التحرك لإنشاء مركز تفكير وطني مستقل يعنى بصياغة استراتيجيات التعامل مع الكيان الإسرائيلي كدولة يهودية استعمارية، وتقديم أوراق سياسات مستقبلية حول المواطنة، الهوية، والتمثيل السياسي.
  17. الانتقال من خطاب رد الفعل إلى المبادرة، من خلال تبني أجندة واضحة للدفاع عن الهوية الوطنية، وحقوق الأرض، وحرية التنظيم، بما يعيد الداخل إلى موقع الفاعل، لا المفعول به.
مشاركة :

الأكثر قراءة :

ساسة وقادة فصائل يدعون إلى بناء استراتيجية وطنية لتحرير القدس

خبراء يوصون باستثمار الحرب الروسية الأوكرانية بما يخدم القضية...

سياسيون: قمة الخائفين في النقب محاولة لتعزيز أمن (إسرائيل)

ذات صلة :

ندوة سياسية حول سناريوهات ما بعد انعقاد المجلس المركزي

مختصون يطالبون برفع الوعي للنشطاء والمؤسسات لتجنب محاربة المحتوى...

مختصون بغزة يدعون لتبني استراتيجية إعلامية تعزز دور المقاومة بالضفة...

الوسوم :

  • طوفان الأقصى

من نحن

  • رؤية المركز و أهدافه
  • شركاؤنا
  • كُتاب
  • باحثو المركز
  • عناوين
  • الهيئة الاستشارية
  • باحثون آخرون
  • منصات تواصل

الأقسام

  • أنشطة وفعاليات
  • إصدارات
  • ملفات
  • قضايا إقليمية
  • شؤون منوعة
  • استطلاعات رأي
  • ترجمات خاصة
  • موسوعة المركز
  • مكتبة هاشم ساني

تواصل معنا

  • فلسطين - غزة
  • 500500500+
  • test@gmail.com
مركز فلسطيني غير ربحي، يُعنى بالشؤون السياسية والتنموية الخاصة بالقضية الفلسطينية على الصعيدين المحلي والعالمي ...
جميع الحقوق محفوظه © لمركز الدراسات الساسية و التنموية 2025
  • برمجة و تطوير هاي فايف